من خلف الكاميرا إلى الزنزانة.. المخرج الفلسطيني حمدان بلال في قبضة إسرائيل

من خلف الكاميرا إلى الزنزانة.. المخرج الفلسطيني حمدان بلال في قبضة إسرائيل
المخرج الفلسطيني حمدان بلال

في قرية سوسيا المترامية على تلال جنوب الخليل، حيث تتنازع الأرض بين جذور الفلسطينيين وأطماع المستوطنين، كان حمدان بلال -المخرج الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلمه الوثائقي “لا أرض أخرى”- يوثق، كعادته، حكاية الإنسان الفلسطيني الذي يعيش على حافة الطرد وتحت ظل الخوف. 

لم يكن يعلم أن عدسة كاميرته ستقوده إلى قضبان الاعتقال مجددًا، وأن فيلمه الذي أحرج دولة بأكملها سيصبح أشبه بلعنة تُطارده، بحسب ما ذكر موقع "واينت" العبري، اليوم الثلاثاء.

اعتُقل بلال في ساعات الصباح الباكر، في حين كان متجهًا إلى أرض قريبة من سوسيا، برفقة عدد من السكان المحليين، وسط توتر متصاعد بين الفلسطينيين والمستوطنين. 

سلاح التوثيق لا العنف

وأورد موقع "واينت" العبري، أن السلطات الإسرائيلية تشتبه في مشاركته برشق الحجارة على مركبات مستوطنين، لكن من يعرف بلال عن قرب، يدرك أن الرجل الذي جعل من التوثيق سلاحًا أقوى من الحجارة، لم يكن يومًا يؤمن بالعنف.

وفي الحادثة التي وصفتها وسائل إعلام إسرائيلية بـ"الاحتكاك العنيف"، انتهى المشهد باعتقال ثلاثة فلسطينيين -من بينهم بلال- إضافة إلى مستوطن إسرائيلي شارك في المواجهة. 

أما تفاصيل ما جرى، فهي جزء من مشهد متكرر: مستوطنون يقتربون من أراضٍ فلسطينية، يتصاعد التوتر، يتحرك الجيش، ويُعتقل الفلسطينيون.

وجه يعرف القمع

ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها حمدان بلال للاعتداء أو الاعتقال. ففي مارس الماضي، وفي حادثة وُثّقت بالفيديو، اقتحم مستوطنون مسلحون منزله في سوسيا واعتدوا عليه بعنف، ما أدى إلى إصابته بجروح بالغة في الرأس والبطن. 

ورغم أن بلال نُقل بسيارة إسعاف، فإن جنود الجيش الإسرائيلي أوقفوا السيارة واعتقلوه أثناء تلقيه العلاج، في مشهد أثار موجة تنديد دولي.

الاعتداء الوحشي على مخرج وثائقي لم يكن محض صدفة؛ بل بدا رسالة واضحة لمن يحاول أن يسلط الضوء على المظالم. 

ومنذ فوز فيلم "No Other Land" بجائزة الأوسكار، أصبحت كاميرا بلال هدفًا مرصودًا، فقد استطاع الفيلم، الذي أنتجه مع شركائه الإسرائيليين والفلسطينيين، أن يكشف حجم التهجير المنهجي للفلسطينيين في الضفة الغربية، ويعرض للعالم معاناة قرى لا تحظى حتى باعتراف رسمي في وطنها.

صوت يوثق بصمت

بالنسبة لكثيرين، حمدان بلال ليس فقط مخرجًا شابًا. بل هو صوت جيله. أحد الوجوه الفلسطينية التي اختارت الكاميرا لا الحجر، واختارت أن تفضح الجريمة لا أن ترد عليها. 

عمله مع منظمات حقوقية مثل "بتسيلم" و"كسر الصمت" عزّز من حضوره بصفته أحد أبرز موثقي الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

يقول أحد أصدقائه، ممن فضلوا عدم ذكر أسمائهم: "كنا نعرف أن نجاح الفيلم لن يمر دون ثمن. إسرائيل لا تنسى من يحرجها على المنصات العالمية. لكن حمدان لم يتوقف، كان يقول: طالما هناك قرية تُهدم، وكاميرا تعمل، يجب ألا نصمت."

فيلم صار مرآة مؤلمة

فيلم "لا أرض أخرى" لم يكن مجرد عمل فني؛ بل كان شهادة حية على العقاب الجماعي والتهجير القسري الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية بحق قرى كاملة في الضفة الغربية. 

وفي الفيلم، يظهر بلال بنفسه، ليس مخرجاً خلف الكواليس فقط، بل ناشطاً يعيش الخطر يوميًا، ويواجه هدم منزله والتهديد اليومي لعائلته.

فيلم No Other Land، الذي عرض في مهرجانات عالمية وتُرجم إلى عشرات اللغات، لاقى ترحيبًا دوليًا، لكنه في الوقت ذاته أثار غضب المؤسسة الإسرائيلية التي رأت فيه تحريضًا سياسيًا مموّهًا بلغة الفن، ولذا لم يكن مستغربًا أن تتعامل معه السلطات كـ"مخرب محتمل"، لا كأنه مخرج.

تبقى الكاميرا حرة

حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يُعلن عما إذا كان سيتم توجيه تهم رسمية لبلال، لكن المراقبين يرون أن الاعتقال بحد ذاته -وإن انتهى بالإفراج- هو جزء من حملة ممنهجة تستهدف النشطاء والإعلاميين الفلسطينيين، خاصة أولئك الذين ينجحون في اختراق الجدران الدولية المغلقة.

ورغم اعتقاله، يظل حمدان بلال -بالنسبة لجمهور واسع في فلسطين وخارجها- أكثر من مجرد مخرج. هو مرآة الواقع، وشاهد العصر، وصوت القرى البعيدة التي لا تصلها الكاميرات إلا حين تتعرض للهدم.

وبين أنقاض سوسيا، وتحت سطوة الجيش الإسرائيلي، تظل قصة بلال تروي نفسها: كيف يُحاسب من يصور الجريمة، ويُترك من ارتكبها؟ 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية